الأربعاء، 17 أغسطس 2016

مصنعة ماريا ..سر لقاء المسيح بحمير ولغز الملك المدفون


مصنعة ماريا ..سر لقاء المسيح بحمير ولغز الملك المدفون

- أكرم الجولحي

الطريق الى ماريا
بشراهة تبتلع السيارة الطريق الذي يربط مدينة ذمار بالمديريات الغربية وصولاً إلى الحسينية إحدى المدن التهامية الحديثة المحاذية لشواطئ البحر الأحمر غرب اليمن. عبر الفرع الآخر للطريق الذي يمر باتجاه مديرية مغرب عنس قبل أن يرتبط بالطريق الرئيسي في منطقة "عتمة" المحمية الطبيعية، والذي لم يعبد منه سوى مقاطع بسيطة ومتفرقة..

وعلى بُعد 15 كم غرباً توقفت بنا السيارة إلى جوار قرية "ماريا" إحدى مناطق مديرية عنس محافظة ذمار.. والتي تتميز منازلها بطرازها المعماري الفريد وبأحجارها العتيقة التي عاصرت الحضارات اليمنية المتعاقبة، التي لا تزال محتفظة قدر الإمكان بأسرار الحضارة الحميرية والنقوش القديمة منذ  مطلع القرن الرابع الميلادي. مقاومة عوامل التعرية وتعاقب الحضارات على المنطقة قبل أن تعاني مشقة الانتقال من سطح مصنعة "ماريا" القديمة في موقعها الأصلي لتنتقل خلال القرن العشرين أو نهاية التاسع عشر الماضيين لتبنى بها منازل قرية "ماريا" الحالية أسفل مصنعة "ماريا" التي سنعرض بعض أسرارها وجزء من مجدها الحضاري.

وقبل أن تشيد قرية "ماريا" التي يسكنها حالياً "آل بغاشة" وآخرين كان حصن "ماريا" الذي ترتص منازل "ماريا" حوله قد شيد كذلك بأحجار أنقاض مدينة "مصنعة ماريا" أو مدينة "سمعان" الحميرية القديمة.،إذْ لا يزال الحصن قائم لكن الخراب قد نال جزء منه والذي يعتقد بأنه شيد خلال العصر الإسلامي..

وعلى ارتفاع حوالي 300 متر من قرية ماريا والحصن الشهير تنتصب على هضبة بازلتيه محصنة تحيط بها السهول الزراعية الخصبة، وتتناثر على سطحها الذي يبلغ مساحته حوالي 8 كم مربع خرائب مصنعة "ماريا" أو "هجر سمعان" بعد حضارات استيطانية متعاقبة.

والزائر للمنطقة وهو يصعد إلى قمة الهضبة سيراً على الأقدام لابد أن يمر عبر طريق مرصوف بالأحجار قادماً من الناحية الجنوبية، ماراً إلى الناحية الشرقية من الهضبة ليصل إلى البوابة الشرقية للمدينة، والذي يطلق عليه "درب أسعد" والذي يصل المدينة بالعاصمة الحميرية "ظفار".

وتطل المدينة على عدد من الأودية الزراعية الخصبة، منها وادي "القضب" في الشمال الغربي، ووادي "السور" غرباً، وواديا "معدة" الذي نضبت مياؤه في السنوات الأخيرة، و"المحجر" الذي تمر فيه سائلة "معسج" الذي تنحدر إليها مياه مصنعة ماريا، في الناحية الشرقية، إلى جانب عدد من الأودية الغائرة في الناحية الغربية.

ومن سطح الهضبة حيث تتناثر ركام الحضارات، يرى الزائر جبل هران الأثري بمدينة ذمار في الناحية الشرقية، وفي الغرب جبال مغرب عنس وعتمة ووصاب، وفي الشمال جبال آنس وجهران، ومن الجنوب جبال القفر وبني عمر من محافظة إب.. مما يدل على عبقرية اختيار الموقع.

وهو ما يميز المدن الحميرية القديمة انها بنيت في قمم الجبال وفي مواقع محصنة وتتوسط عدد من التلال تكون التلال نقاط عسكرية للمراقبة كي لا تتفاجأ  المدينة بأي هجوم، وموقع حصين يمكن المراقب من ملاحظة القادم حتى مسافات طويلة.

ماريا ..من أي باب دخلت

ولمدينة "مصنعة ماريا" "سمعان" أربع بوابات رئيسية، وعدد من الممرات السرية، منها البوابة الشرقية التي يصل إليها الطريق الممتد باتجاه "ظفار" عاصمة الدولة الحميرية على بعد 15 كم جنوب شرق مدينة "يريم" محافظة إب حالياً، ما يطلق عليه "درب أسعد"، وبوابة جنوبية وأخرى شمالية تفصل المدينة عن الهضبة الشمالية.

وبوابة غربية والتي يقع على يسارها نقش مصنعة "ماريا" الشهير المكون من 14 سطراً بخط المسند الذي يوثق عدد من الأعمال الإنشائية التي تمت في عهد الملك "ثاران يهنعم" ملك سبأ وذي ريدان.

ولا تزال بقايا الأسوار تحيط بأجزاء من حافة الهضبة، ويحيط بمصنعة ماريا العديد من المواقع الأثرية التي شهدت استيطانات بشرية متعاقبة، منها خرابة "سحبان" في الشمال الشرقي، وبقايا أطلال منازل شيدت جوف الصخر في منطقة تسمى "جرف حيدر" على بعد 3 كم إلى الغرب إلى جانب العديد من المناطق الأثرية الأخرى التي لا تزال تنتظر النور، وتربط المدينة حوالي عشر طرق شقت في الصخر، ورصت بالأحجار التي تربط المدينة وما حولها من مناطق، لكنها دمرت أو طمرت خلال المراحل الزمنية المختلفة.

وعلى سطح الهضبة الذي يفصلها خندق إلى قسمين؛ حيث فصل الجزء الشمالي عن الجزء الجنوبي الذي نشأت عليه المدينة؛ حيث يتناثر ما تبقى من أحجارها.. وهناك يرى الزائر بقايا السدود والخزانات المائية منها: سد لا يزال يحتفظ بالمياه حتى الآن والذي يستغل مياه لسقي الماعز والأغنام التي ترعى على أطلال المدينة، إلى جانب 13 خزان مائي تتناثر هنا وهناك على مساحة المدينة.

ويلاحظ أن المدينة روعي عند بنائها التخطيط الهندسي؛ حيث قسمت إلى أقسام تتخللها ممرات.. لا تزال واضحة حتى الآن وتم استغلالها لتجميع المياه إلى الخزانات؛ حيث بنيت السدود في مواقع منخفضة، وروعي في الإنحدار البسيط لساحات المدينة لاستغلال المياه وتجميعها بشكل تام..

"ماريا" والاسم المسيحي
وتشير النقوش إلى أن مصنعة "ماريا" عرفت قبل ذلك باسم "هجر سمعان" قبل أن يطلق عليها مصنعة "ماريا" إلى جانب أن لها أسماء أخرى كما يتوقع بعض الباحثون، وإطلاق اسم "هجر سمعان" على المدينة نسبة إلى معبود المدينة، كما يشير الباحث اليمني د. يوسف محمد عبدالله-عالم الآثار- أن "عثتر ذي سمعان" معبود المدينة وهو معبود منتشر في كل أنحاء اليمن، لكنه يتخذ خصوصية في أماكن شتى في هذه المدينة كان يلقب "ذي سمعان" وترجح الآراء أن تسمية المدينة بـ"مصنعة ماريا" لم يطلق عليها إلا فترة دخول المسيحية إلى اليمن في عهد الملك "ملكي كرب يامن" ابن الملك "ثاران يهنعم"؛ حيث أن الملك "ملكي كرب يامن" أويها من هو أبو الملك "أسعد الكامل" المعروف بـ"أي كرب أسعد" والمشهور كذلك بـ"التبع اليماني"؛ حيث أن اسم "ماريا" اسم مسيحي.و"المصنعة" تعني الحصن و"الهجر تعني المدينة..
ومن المعلوم أن المسيحية لم تدخل اليمن إلا في القرن الرابع الميلادي، وهو ما يعني أن معتنقي المسيحية بنو في "سمعان"  كنسبة لهم سموها "ماريا" ومن ثم أخذت المدينة هذه التسمية والتي لا تزال متداولة حتى الآن.

ومن المؤكد أنها لم تزدهر إلا في العصر الحميري حيث كانت العاصمة هي مدينة "ظفار".

وبحكم التقارب بين "ظفار" و"سمعان" شكلت "سمعان" أهمية كبرى في العهد الحميري، خاصة أن الموقع الذي تقع عليه يعد الحد الفاصل بين السهول والهضبة الوسطى..

ولا تزال على سطح المنطقة عدد من النصب الحجرية الكبيرة التي عليها سواقي أو ممرات والتي هي متعلقة بطقوس الذبح والنذر والتي هي موضوعة بشكل مائل إلى الأرض..

وكانت "هجر سمعان" ماريا مزدهرة منذ ما قبل الميلاد، واستمرت في ازدهارها حتى القرن الرابع الميلادي على الأقل كما يرى الباحثون.

حيث يرى البعض أن المنطقة تأسست في العصر البرونزي والتي لا تزال آثار ذلك العصر ماثلة للعيان، ويتوقع الباحثون أنها عاصرت من حيث الظهور موقع "حمة" القاع إلى الشرق من مدينة معبر أطراف قاع جهران.

ويستدل الباحثون بالنصب الحجرية التي ذكرت سابقاً إلى جانب وجود أساسات لعدد من المباني السكنية التي استعمل في تشييدها أحجار ضخمة غير مهندمة تشبه الأحجار المستخدمة في العصر البرونزي وهو ما أكدته البعثة الأمريكية التابعة لجامعة "شيكاغو" عن وجود آثار العصر البرونزي في منطقة "ماريا" والمناطق المحيطة بها.

ويستدل الباحثون من خلال نقشين وجدا بخط المسند، إحداهما لا يزال بين أنقاض المدينة عند حائط الحاجز المائي بالقرب من المدخل الشرقي، وآخر نقيل واستعمل في بناء أحد المساكن في قرية "ماريا" الحالية، وكلاهما مكتوب بخط المحراث يدلان على استمرار النشاط الاستيطاني البشري في المنطقة خلال العصر السبئي المبكر والنقشين في طور الدراسة.

الحميريون موجودون في ماريا

ويعد العصر الحميري الأكثر بروزاً ووضوحاً من آثار مدينة "سمعان" حيث لا يزال الموقع يحتوي على أساسات لمباني شيدت بطريقة البناء المتدرج من أحجار مقصوصة ومهندمة بدقة كبيرة تدل على مهارة عالية وإتقان  كبير يتناسب مع الأهمية السياسية والحضارة للمدينة في العصر الحميري.

وتؤكد النقوش الحميرية التي وجدت في المنطقة والتي يصل عددها إلى 9 نقوش ازدهارها الحضاري؛ حيث يعد أقدم نقش معروف حتى الآن هو نقش (Moretti mariya) الموجود حالياً على جدار أحد المنازل في قرية "ماريا" الحديثة، باستثناء نقشا المحراث المذكورين سابقاً واللذان ربما يغيران كثير من المسلمات والمعروف حتى الآن، والنقش المذكور من عهد الملك الحميري "شمر يمحمد" ملك سبأ وذي ريدان.. الذي حكم المناطق الحميرية في النصف الأول من القرن الثالث الميلادي، وفي عهده واجه الحميريون هجمات قوية ومتكررة من قبل قوات معاصرة الملك السبئي "إل شرح يخصب الثاني" وأخيه "يازل بين" ملكي سبأ وذي ريدان.

والنقش الثاني هو (Masna'at Mariya) الذي سجل في عهد الملك "ثاران يهنعم بن ذمار علي يهبر" وفيه اتخذ لقب ملك سبأ وذي ريدان والمؤرخ عام 434م –حسب التقويم الحميري، وهو ما يساوي 319م والذي يعد النقش الوحيد الذي لا يزال مكانه على يسار البوابة الغربية "مصنعة ماريا" أو مدينة "سمعان" وهو ما عرف بنقش "مصنعة ماريا الشهير".. الذي اكتشف وقام بنسخه وشرحه الأستاذ مطهر الإرياني عام 1969م، وقام بتصويره الطبيب الإيطالي "أواي برنللو" وقام بتدقيقه وتحقيقه ونشره المستشرق الإيطالي "جيوفاني جاربيني" عام 1970م وذلك ضمن منشوراته الهامة عن نقوش المسند اليمني.

ويؤكد الباحث اليمني أ. مطهر الإرياني إن لهذا النقش أهمية كبيرة بسبب أنه مؤرخ بالتاريخ الحميري المتعارف عليه في نقوش المسند، وأنه يتحدث عن عدد من الإصلاحات والإنشاءات التي تمت في عهد الملك الحميري "ثاران يهنعم" ملك سبأ وذي ريدان بعد وفاة والده، وانفراده بالحكم.. ويتكون النقش من 14 سطراً، منها السطر الأول وأجزاء من بعض الأسطر مطموسة بسبب عوامل التعرية.

حيث يشير النقش على شق وتمهيد وإصلاح وترميم أكثر من عشر طرق حيوية المصعدة في الجبال اليمنية الشامخة بشواهقها المنسلخة ومنحدراتها ذات الطبيعة الجبلية الصخرية القاسية في كثير من أجزائها، هذا إلى جانب إنشاءات وإصلاحات في عدد من الأماكن الأخرى.

ويشير النقش إلى أن  إله المدينة كان يسمى "عثرذو سمعان" بمعنى وجود معبود داخلها؛ حيث أورد النقش تفاصيل عن الطرق التي رصفت بالأحجار من أجل ربط المدينة بما حولها من المناطق وخاصة المناطق الغربية ذات الطبيعة الجبلية الوعرة.

ومن المرجح أن الهدف من تشييد تلك الطرق هو ربط المناطق الساحلية الغربية والجنوبية الغربية من أرض الدولة الحميرية بالمناطق الوسطى التي تعد مدينة "سمعان" أحد مراكزها الأساسية، وأول مدينة تحط فيها الرحال.

ويؤكد النقش الذي أورد أسماء المناطق التي شقت إليها الطرق، التي رصفت بالأحجار- أن المناطق الجبلية الغربية كـ"مغرب عنس، ووصاب، وعتمة" شهدت كذلك أنشطة استيطانية عاصرت الدولة الحميرية وتشير المصادر الإسلامية أن تجار صنعاء كانوا يمرون من "ماريا" في أحد الطرق التي توصلهم إلى ميناء "المخا" لنقل بضائعهم حتى القرن الحادي عشر الهجري.

أما النقش الأقدم –الموجود على جدران المنازل والذي ذكر سابقاً Moyetti Mariya1 يذكر الإله "رحمنن ذبسمين" الرحمن الذي بالسماء، وهي إشارة واضحة إلى فترة التوحيد التي بدأت عند منتصف القرن الرابع الميلادي تقريباً..والذي سجل إقبال قبيلة "مقرأ" عن بناء وتزيين "سقفهم" المسمى "حضران" وكذلك "المذقنة" وحفر بئر يسمى "نجل" في رأس وادي معسبح والذي لا يزال الوادي يحتفظ باسمه حتى الآن.

بعون سيدهم الإله "عثتر الشارق" والإله "عثتر ذوسمعان" "عثتر ذو طميم" وبعون سيدهم "شمر يهحمد" ملك سبأ وذي ريدان، وبقوة قبيلتهم "مقرأ"؛ حيث يؤكد النقش أن هجر سمعان كانت تابعة لقبيلة "مقرأ" وأن رجال القبيلة شيدو لأنفسهم "سقيفة" لتصبح فيها يعتقد مقراً لاجتماعات أفراد القبيلة عند مناقشة المشاكل التي تواجههم؛ إضافة إلى ما سبق تنتشر على جدران مساكن قرية "ماريا" الحديثة نقوش متعددة جميعها ناقصة، وقد تم توثيقها.

وتؤكد المستشرقة "تاراهربية" على المكانة التي احتلتها مدينة "سمعان" إن البيئة الأثرية لهذه العمائر غنية جداً، فهي عبارة عن مدينة كاملة ونظام متكامل لتخزين المياه في  برك واسعة يعود تاريخ إنشائها إلى عصر الحضارة اليمنية القديمة.

ويلاحظ الزائر أن من بين أطلال المدينة خاصة وسطها معالم بارزة لمباني رئيسية بالقرب من خزانات المياه وتحيط بها باقي المباني وتتميز تلك المباني بأحجارها الضخمة المصقولة والمبنية بأسلوب البناء المتدرج المستخدم عادة في تشييد المباني الهامة.

ومثلَّ مطلع القرن العشرين الماضي بداية للإشارات الأولى حول الأهمية التاريخية والحضارة للمدينة، وتحديداً بين عام 1909م-1910م من قبل العالم الجيولوجي الفرنسي "بينيتو" تم توقف الاهتمام حتى زارتها البعثة العلمية العراقية عام 1981التي كانت تقوم بمسح للمناطق الأثرية في اليمن.

وفي عام 1969م زار المنطقة الباحث اليمني الأستاذ مطهر الإرياني، ونشر بالتعاون مع المستشرق الإيطالي "جيوفاني جاربيني" نقش مصنعة "ماريا" الشهير الموجود على يسار الداخل من بوابتها الغربية عام 1970م.

وفي عام 1971م نشرت "باتريسيا موريت" بعض من نقوش "ماريا، وفي عام 1974م قام "ر.دي هيومنس" بوصف الموائد الحجرية الموجودة حتى الآن.

وفي عام 1978م أعاد "ولترمول" نشر نقش مصنعة "ماريا" الشهير بعد زيارته لها، وقام بتصحيح قراءة بعض كلماته، وابتداءً من عام 1993م زارت المنطقة ولأكثر من موسم البعثة الأمريكية التابعة لجامعة "شيكاغو" التي تقوم بمسح ودراسة مواقع العصر البرونزي في منطقة الهضبة الممتدة من "الحداء" شرق ذمار وحتى "ظفار" شرق مدينة يريم؛ حيث أكدت أعمال البعثة وجود آثار من العصر البرونزي في منطقة "ماريا" وما حولها.

ولم تجرى في المنطقة حتى الآن أي أعمال حفرية عدا دراسات علمية بسيطة وعملية توثيق فقط،.

الاهمال يهدد ابداعات الاجداد

ويرجح بعض الباحثين أن أسباب اندثار المدينة يرجع إلى أسباب طبيعة بداية من الأنشطة الزلزالية المستمرة في المناطق اليمنية، التي أخفت الكنز من المعالم الأثرية للمنطقة، إلى جانب استمرار النشاط البشري في المنطقة وما جوارها مما أدى إلى طمس الكثير من معالمها، نتيجة للتجديد المستمر والتوسع العمراني، وكذلك تعرض معالم المدينة للتدمير من قبل الأهالي ونقل أحجارها إلى القرى المجاورة والبناء بها.

ولا تزال المنطقة في انتظار التفاته جادة للكشف عن أسرارها التي تشكل حلقة هامة من حلقات الحضارة والتاريخ اليمني العريق ومفتاح لأسرار الحضارة الحميرية التي امتدت إلى الجبال والحصون المنيعة من الناحية الغربية والجنوبية الغربية من المنطقة، ما تعرف حالياً بـ"مغرب عنس، ووصاب، وعتمة، والقفر" وغيرها من المناطق التي ذكرها نقش "مصنعة ماريا" الشهير الذي ذكر أنه شقت ورصفت أكثر من عشر طرق إلى هذه الجبال.

وبالرغم من التنوع الحضاري والمخزون الأثري العظيم في هذه المناطق وبقية المناطق اليمنية الأخرى تقف السلطات الأثرية المختصة عاجزة عن القيام بدورها المناط بسبب شحة الإمكانيات التي ترصد لهذا المجال، إلى جانب غياب الكادر المؤهل.. الأمر الذي يتطلب تدخل عاجل من قبل السلطات العليا في منح هذا القطاع اهتمام أكبر، بما يمكن من استغلال هذا القطاع الهام في خدمة النشاط السياحي، والنهوض بالاقتصاد اليمني.

ويتطلع سكان "ماريا" الحاليون إلى اليوم الذي يكشف الباحثون عن إجابات للألغاز التي يتناقلونها عن آبائهم حول هذه المدينة، إذْ لا يزالون يتناقلون حكايات وأساطير قديمة عن أسرار المدينة وكنوزها.. وهو ما دفع الكثيرين منذ المراحل الماضية بمحاولة فك شفرات الألغاز والوصول إلى كنوز "سمعان" حيث لا يزال كبار السن يرددون بعض من ذلك منها: دفن الملك والملكة في "جربة المصنعة" ما بين "ذي سحر ومرصبة" تحت "الشرزي" تحت "الطلحي" في القسم الأعلى ذي فوق السفلي، بمعنى أن الكنز دفن مع الملك وجربة "صنعة" قطعة من الأرض خصبة في محيط المنطقة "ذي سحر ومرصبة" .."ذي سحر" قرية أثرية قريبة من المنطقة و"مرصبة" قرية أثرية من قرى سائلة معسج، "والشرزي" اسم شجرة يطلق عليها حالياً "النمنم" أو "العتم"، و"الطلحي" شجرة الطلح المعروف،والقسم الأعلى يقصد الجزء الأعلى.

وهو ما أثر على المواقع الأثرية والتي تتعرض حتى الوقت الحالي لأعمال تدمير ونهب وحفر عشوائي وعبث غير محدود..

ويذكر صالح بغاشة-مدير فرع الهيئة العامة للآثار والمتاحف والمخطوطات بمدينة عنس بمحافظة ذمار- أحد أبناء قرية "ماريا" الذي رافقني خلال زيارتي هذه وبصحبة الباحث محمد بغاشة- أن المواقع الأثرية تتعرض بشكل دائم لأعمال السطو.. وهناك عمليات شبه منظمة وأخرى فردية تتم من قبل البعض؛ حيث تم مؤخراً القبض على العديد من اللصوص ممن يقومون بالعبث بالآثار وسرقتها، آخرها عصابة مكونة من شخصين قاما خلال أحد الليالي بالحفر في انقاض مدينة "سمعان" حتى تمكنوا من استخراج أحد العقود الخاصة بالمعبد، عليه نقش ونسرين متقابلين يبلغ طول العقد حوالي متر و90 سم وارتفاع 95 سم من الحجر، لكن أهل المنطقة كشفوهم، وتم ملاحقتهم في  نفس الليلة وفروا من قبل أن يتمكنوا من نقل العقد الذي ترك بعد استخراجه في شمال المدينة..

إنها" مصنعة ماريا" مفتاح لأسرار  الحضارة اليمنية التي لاتزال تنتظر من يكشف عن مفاتن إبداعاتها ..وتبحث عن من يفك الغاز هذه القرية ..ويبحث مع سكانها عن كنز الملك الذي دفن معه كما يردد كبار السن في "ماريا"

0 التعليقات:

إرسال تعليق